صدر هذا الكتاب عن مكتبة الآداب بالقاهرة عام 1428ه/2007م، وهو في أصله رسالة ماجستير نوقشت بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. وقد حصل الكاتب على جائزة اتحاد كتاب مصر عام 2006م. قدم لهذا الكتاب أستاذنا الدكتور محمد سليم العوا، حيث جاء في تقديمه ما يأتي:

"الحكم القضائي هو عنوان الحقيقة.

والحقيقة بنت المداولة.

والمداولة تستلزم تبادل الرأي، وغالبًا ما تختلف فيها وجهات النظر، وانتصار إحداها على الأخرى لا يكون إلا بحجة قاطعة أو أقرب ما تكون إلى القطع، أو بفكرة مقنعة يتحول بسببها صاحب رأي إلى غيره، ويستقر بعد قبولها الرأي على قول فصل يصوغه كاتب الحكم القضائي في أسبابه التي تمهد لمنطوقه وتحمل ما يفصل به هذا المنطوق بين المتنازعين.

وإذا كانت المحاكم تشكل من دوائر تضم كل منها عددًا من القضاة يتداولون -بحكم القانون فيما يعرض عليهم من قضايا ليفصلوا فيها بين الخصوم؛ فإن الحكم تكتبه في النهاية يد واحدة يحمل سماتها وينطق بلسانها، وتَدَخُّلُ سائر أعضاء الدائرة القضائية في مسودة الحكم بتعديل عبارة، أو تغيير كلمة، أو تصويب جملة لا ينال من كونه، من حيث هو بنيان لغوي، نتاج عقل واحد وقلم واحد.

وللحكم أركان شكلية وأركان موضوعية أوجزهما قانون المرافعات المدنية والتجارية، وفصلتهما أحكام المحاكم العليا في القضاء المدني والقضاء الإداري؛ أعني محكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا، فيما جرى عليه قضاؤهما من اشتراط سماتٍ في الأحكام تضمن ألا تكون قاصرة في أسبابها، أو فاسدة في استدلالها، أو غير ناطقة بالحجة التي تحمل قضاءها، وهذا الجانب من الأحكام القضائية محل دراسته في كتب القانون التي تعنى بالأحكام القضائية والمآخذ الشكلية والموضوعية عليها.

وبين أيدينا اليوم كتاب في جانب تأخرت العناية به جدًا في البحث اللغوي المعاصر، يدل على ذلك ندرة المراجع التي وجدها الكاتب في صلب موضوعه في المكتبتين اللغوية والقانونية، وهو كتاب يعنى بلغة الحكم القضائي التي هي نمط خاص من أنماط العربية الفصحى العصرية، وهو نمط كان يحتاج إلى دراسة بنيته التركيبية والدلالية دراسة ناقدة تبين خصائص لغة الحكم القضائي، والعوامل التي تؤثر فيه، والغايات التي يهدف الحكم المكتوب إلى تحقيقها، ومدى وصول الأحكام إليها.

وإذا كان المؤلف قد اختار القضاء الإداري مجالاً لبحثه، وحدد زمن البحث بخمس سنين [تبدأ من الأول من أكتوبر عام 1998، وتنتهي في الثلاثين من سبتمبر عام 2003]؛ فإن الأمثلة التي اختارها من قضاء المحكمة الإدارية العليا ومحاكم القضاء الإداري والمحاكم التأديبية كانت أمثلة كافية -بالمعايير العلمية- لاستخلاص خصائص عامة، يصح القول بأنها مطَّردة للغة الحكم القضائي في أحكام مجلس الدولة.

وعلى الرغم من أن الكتاب يشبع حاجة المتخصص في علم اللغة، بإضافة بحث جديد إلى بحوثها المعاصرة فإنه يُثير أيضًا اهتمام المثقف العام بقدر ما يُثير اهتمام المتخصص في القانون بما يتضمنه من بحوث ذات أهمية لكل منهما.

فالمثقف العام سوف يقف عند بحوث لغة الصحافة ولغة الأحكام، وتأثير اللغات الأجنبية في لغة الحكم الإداري، والأساليب ذات الأصل الأجنبي، وتأثير اللغات الأجنبية في نظام الجملة القضائية، وتأثير العامية في لغة الحكم الإداري ونحوها.

والمتخصص في القانون سوف تستوقفه بحوث استخلاص الدلالات من أسباب الأحكام والقواعد المنطقية في الحكم القضائي، وضوابط تسبيب الحكم الإداري، وأصول استخلاص الدلالات من النصوص التشريعية، والقواعد الكلية، وفن التفسير القانوني، وفهم الأحكام وأصول تأويلها، والوضوح والغموض في لغة الحكم القضائي وما إليها.

هذا كله فضلاً عما يجده المتخصص في علم اللغة من بحوث معمقة في بعض مباحث هذا العلم، ومن رجوع مستمر إلى أمهات الكتب الحديثة فيه دون إغفال لمراجعنا العربية الأصيلة في اللغة والفقه والتفسير على السواء.

ولقد أتيح لي أن أستمتع بمراجعة هذا الكتاب مرتين، أولاهما: عندما شاركت في الإشراف عليه ومناقشته حين قدمه مؤلفه لينال به درجة الماجستير في علم اللغة من كلية دار العلوم - حرسها الله - بجامعة القاهرة؛ وثانيتهما: عندما عنيت بكتابة هذا التقديم الوجيز له".

وقد أوضح المؤلف في تقديمه لكتابه الأهداف التي تغيَّاها في دراسته، وأوجزها فيما يأتي:

  • وصف العربية المعاصرة –"وهي لغة فصحى مكتوبة تستخدم للتعبير عن الحضارة والثقافة المعاصرة في العالم العربي"- على المستوى التركيبي والدلالي من خلال دراسة الخواص التركيبية والدلالية للجملة في لغة أحكام القضاء بوصفها نمطاً مهماً من أنماط الفصحى المعاصرة.
  • تعرف نماذج الجملة التي يكثر استخدامها في العربية الفصحى المعاصرة من خلال دراستها في لغة القضاء.
  • الكشف عن جوانب التأثير والتأثر بين أنماط الفصحى المعاصرة لاسيما تأثر لغة الحكم القضائي بالسمات التركيبية للغة الصحافة المعاصرة.
  • إلقاء الضوء على الدور الذي تضطلع به اللغة بوصفها ظاهرة اجتماعية في أحد مجالات التعامل بين الأفراد.
  • بيان مدى انعكاس وضع اللغة في المجتمع على الأداء اللغوي لأحكام القضاء وإبراز الجوانب التي تسهم في تفعيل دور اللغة في العمل القضائي.

 

محتويات الكتاب:

  • تعريف الحكم القضائي.
  • المصطلحات المستخدمة في لغة الحكم القضائي.
  • السياق اللغوي في الحكم القضائي.
  • الباب الأول: السمات العامة للغة الحكم القضائي.
  • الباب الثاني: الخواص التركيبية للجملة في لغة الحكم القضائي.
  • الباب الثالث: الخواص الدلالية للجمة في لغة الحكم القضائي.
  • خاتمة بأهم النتائج والتوصيات
  • ملحق بأشهر الأخطاء والفروق اللغوية الواردة في الكتابة القضائية.

رابط مباشر لتحميل الكتاب

نُشِر هذا البحث في الجزء الأول من كتاب (مناهج المستشرقين في الدراسات العربيّة والإسلاميّة)، وهو كتاب صدر عام 1985م عن (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم)، وننشره في موقعنا -مستقلا- للمرة الأولى.

وقد أبان د. محمد سليم العوا في مقدمة بحثه أن باعثه لكتابة هذا البحث هو عدم خلو كتاب من كتب المستشرقين، ولا بحث من بحوثهم، لغويًا كان أم تاريخيًا أم اقتصاديًا أم اجتماعيًا أم متصلًا بالقرآن الكريم أو السنة النبوية، من إشارة أو أكثر إلى مسألة أو أكثر من مسائل الفقه الإسلامي، تبين إنعام النظر موقفًا يتخذه الباحث أو الكاتب من النظام القانوني الإسلامي وأحكامه وقواعده وأصوله.

وقد رد العوا ذلك إلى شمول أحكام النظام القانوني الإسلامي وقواعده لكل ناحية من نواحي حياة المسلم، فالفقه من حيث هو تعبير عن نظام قانوني تغطي أحكامه وقواعده كل ما يعرض للمرء في حياته، بل وما يصيب ماله بعد وفاته، وما يجب له من أحكام قبل ولادته، فضلا عن أحكام العلاقة بين الفرد وربه، وهذا شأن غير معهود في النظم القانونية الوضعية فهذه لا تتدخل إلا حيث يكون النزاع بين طرفين واردًا ولا تنظم إلا العلاقات المتبادلة بين الأفراد والجماعات.

ومع ورود تلك الإشارات إلى أحكام فقهية في جل كتب المستشرقين وبحوثهم -أو كلها- فإن أقل هذه الكتب عددًا هو ما خصص لهذا الجانب من جوانب الحياة الإسلامية والفكر الإسلامي، وأكثر هذا القليل لا يتصل في منهجه ومقدماته ونتائجه بالجانب القانوني من الفكر الإسلامي إلا بقدر ضئيل، ومن بين القلة من المستشرقين الذين يعنون بالفقه الإسلامي الأستاذ نويل ج. كولسون، أستاذ القوانين الشرقية في جامعة لندن (مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية)، وله عدد غير قليل من المقالات والبحوث المنشورة في الدوريات القانونية البريطانية والأمريكية وغيرها، لعل أهمها دراسته عن الفرد والدولة:

The State and The Individual in Islamic Law (International and Comparative: Law Quarterly, Jan. 1957)

ودراسته عن النظرية والتطبيق في القانون الإسلامي:

Doctrine and Practice in Islamic Law, BSOAS 18/2 (1956)

كما أوضح د. العوا أن السمة المميزة لدراسات الأستاذ كولسون، التي دعته إلى اختيار الكتابة عنه في بحوث هذا المجلد المخصص لدراسة مناهج المستشرقين هو أن نقطة البدء عنده في دراسة الفقه الإسلامي تخالف نقطة البدء عند الجيل السابق من أساطين الاستشراق واساتذته. حيث ينطلق من افتراض مغاير تمامًا لسابقيه من المستشرقين مؤداه أن النظام القانوني الإسلامي حتي متفاعل، مطبق في المجتمعات الإسلامية وقائم في ضمائر أفرادها، وينبغي أن يعتمد عليه في تشكيل النظم القانونية في البلاد الإسلامية لتأتي هذه النظم معبرة عن روح البلاد التي تطبق فيها. ويترتب على هذا الاختلاف في الفرض الأساسي الذي تقوم عليه دراسات كولسون، ما لا يحصى من مواطن الخلاف بينه وبين غيره من المستشرقين الذين يدرسون القانون أو الفقه الإسلامي. وهذا الموقف وحده هو الذي يجعل منهج الأستاذ كولسون أجدر المناهج بالبحث والدراسة عند إرادة النظر في مناهج المستشرقين في الدراسات القانونية الإسلامية.

وإذا كان بعض العلماء المستشرقين يدرسون الفقه الإسلامي والنظام القانوني الإسلامي كما يدرس القانون الروماني: أي باعتباره كان في يوم من الأيام نظامًا قانونيًا عريقًا، فإن الأستاذ كولسون يدرس الفقه الإسلامي باعتباره نظامًا قانونيًا حيًا كسائر النظم القانونية الحية الأخرى، وليست مهمة البحث التاريخي عند كولسون أكثر من محاولة اكتشاف الأسس التاريخية التي ترسم الطريق لتطبيق قواعد هذا التشريع في الواقع. وإذا كان كولسون قد اختار دراسة التشريع الإسلامي بمنظار قانوني، فإنه يقرر أن الوقت قد حان لدراسة الشريعة على مستوى متخصص في الاقتصاد والاجتماع والسياسة لتتعاون هذه الدراسات المتخصصة فيما بينها على رسم صورة أدق الأحكام هذه الشريعة.

كما أشار د. العوا إلي أن ذلك الثناء والتقدير لمنهج الأستاذ كولسون لا يعني الاتفاق معه في النتائج التي يتوصل إليها في بحوثه ودراساته للقانون الإسلامي، بل لعل مواضع الخلاف في جزئيات نتائجه أكثر من مواضع الاتفاق معه. وإنما المقصود بالتقدير منهجه في البحث، ومدى اتفاق هذا المنهج أو عدم اتفاقه مع ما يراه الباحث المسلم منهجا سليما لدراسة قانونه وشريعته وفقهه، ثم تأتي جزئيات النتائج ومسائل الفروع ليستفاد منها -إذا احتيج إليها- في تبين مدى التزام المنهج المعلن في البحث، ومدى استقامة الأحكام التي يتوصل إليها الباحث مع مقدماتها.

واكتفي د. العوا بالنظر في كتابي الأستاذ كولسون: (A History of Islamic Law، Conflicts and Tensions in Islamic Jurisprudence) حيث اعتبرهما يحملان تعبيرًا واضحًا عن منهجه في النظر إلى القانون الإسلامي ويتضمنان نظراته التي يجدر الوقوف عندها لما تمثله من اتجاه جديد في الاهتمام بقضايا الفقه الإسلامي.

وقد اختتم د. العوا دراسته بالتعليق على مسألة أخيرة أثارها الأستاذ كولسون في كتابه الآخر: Conflicts and Tensions in Islamic Jurispundence، تلك هي الخاصة بمدى استمرار العمل بالنظم الجنائية الإسلامية، وصلاحيتها للتطبيق في ظروف التطور الحالية للمجتمعات الإسلامية، وقد أشار إلى هذا الأمر إشارة عابرة في كتابه عن تاريخ التشريع الإسلامي. ولفت الانتباه إلى أن تطبيق النظام الجنائي الإسلامي قد عاد إلى كثير من البلاد الإسلامية بأسرع مما كان يتصور أكثر الناس تفاؤلا. فبالإضافة إلى المملكة العربية السعودية التي لم ينقطع فيها تطبيق المذهب الحنبلي باعتباره القانون المعمول به في المجالات كافة منذ نشأة الدولة السعودية حتى الآن، تضم قائمة الدول التي تطبق النظام الجنائي الإسلامي كليًا أو جزئيًا الآن كلًا من: ليبيا والسودان وباكستان وإيران والامارات العربية المتحدة، ففي كل هذه البلاد يطبق جانب أو أكثر من جوانب النظام الجنائي الإسلامي، وفي كل من مصر والكويت دراسات جادة لمشروعات قوانين أعدت بالفعل لتطبيق التشريع الجنائي الإسلامي في إطار عودة تزداد المطالبة بها يومًا بعد يوم، إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بوجه عام. ولعل هذا الواقع الجديد الذي يعيشه العالم الإسلامي، يدعو الأستاذ كولسون وغيره من الباحثين في النظام القانوني الإسلامي إلى إعادة النظر في آرائهم حول مدى إحساس المسلمين -في ظل التطور الذي تشهده مجتمعاتهم- بصلاحية التشريع الإسلامي للتطبيق.

رابط تحميل الدراسة

Post Gallery

الاجتهاد والإرشاد والاتحاد في فكر الشيخ محمد رشيد رضا وحركته الإصلاحية (1-2)*

الجمعية الدولية لعلماء الإبادة: سياسات إسرائيل في غزة ترقى إلى الإبادة الجماعية

أثر الفقه الإسلامي في القانون المدني الفرنسي*

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة: جهود لجنة تقنين الشريعة الإسلامية بمجلس الشعب المصري

المجاعة في غزة… إعلان أممي قد يجرّ قادة الاحتلال إلى المحاكمة

المرأة والتطور السياسي في الوطن العربي بين الواقع الحاضر وآفاق المستقبل*

حالة الاستثناء: الإنسان الحرام

خمسون مفكرًا أساسيًا معاصرًا: من البنيوية إلى ما بعد الحداثة*

الفقه الإسلامي: المصدر الرئيسي للتشريع*